التطريس في رواية النهاية أو ريح الشمال لحميدة شنوفي

Аннотация

تسعى هذه المداخلة العلمية إلى محاولة الكشف عن ظاهرة لافتة في الرواية الجزائرية، ألا وهي ظاهرة التطريس التي تجسدها بامتياز رواية النهاية أو ريح الشمال للكاتبة حميدة شنوفي؛ إذ يعد هذا النص الطريف الذي صدر بعنوانين وفي طبعتين مختلفتين نصا أدبيا مطرّسا، وكتابة من الدرجة الثانية، لأنه يستلهم أفكاره ويستمد روافده وأسس بنائه وتكوينه من نص أصلي سابق عليه، هو نص ريح الجنوب لعبد الحميد بن هدوقة؛ حيث تمكنت الكاتبة من محاورة هذا النص الروائي الأصيل والمؤسِّس، وإعادة إنتاج بنياته السردية والمضمونية واستنساخها بطريقة لا يجيدها إلا الحذاق من أهل هذا الفن والاختصاص، وبلمسة جمالية بديعة أضفت على النص الجديد مسحة تناصية وحوارية قائمة على التفاعل والتصادي وعلى إعادة الإنتاج والتشكيل والتطريز والتحويل والتحوير وعلى مختلف الإحالات والتضمينات والاسشهادات النصية والإشارية السابقة، وأضاءت بعض مناطق ظل كانت معتمة في النص السابق، وفتحت المجال أمامه للسؤال والنقاش، واستشرفت له بعض الآفاق والنهايات التي أملتها ظروف معينة وحساسيات متجددة، جعلت منه نصا خالدا وملهما ومرهّنا في الحاضر والمستقبل، ذلك لأن هذا النص الجديد وهو يربط صلاته بالنص الأصلي، لا يتماهى معه كلية، ولا يشعر القارئ مع هذا الأخذ أو الاقتراض أو الامتصاص بأنه نسخة مكررة أو مطابقة له، بل تجده يحافظ على انسجامه واستقلاليته وهويته وخصوصيته المضمونية والجمالية. وبهذا، فإذا كان مفهوم التطريس ظهر نتاج تطور حاصل، بدأه باختين بإطلاق مفهوم الحوارية، ثم تحول مع كريستيفا إلى تناص، وأخيرا إلى تطريس مع جينيت. وإذا كان -أيضا- مفهومه معبرا عن ظهور آثار الكتابة القديمة الممحوة في الكتابة الجديدة؛ فإن نص النهاية أو ريح الشمال، تظهر بعض آثار النص السابق فيه، وفق آليات تناصية تطريسية، عبّرت عن مدى فطنة الكاتبة ومقدرتها الفنية والجمالية على تأثيث هذا النص الإبداعي اللافت والمتميز وتحبيكه وتطريزه مضمونيا وجماليا، وقد اتخذ هذا العمل التطريسي بعض المظاهر والتجليات على مستوى العنوان والبنية السردية (الشخصيات، المكان، الزمان، الحوار)، وعلى مستوى الأفكار واللغة ومختلف الروافد الأدبية والتراثية والدينية والسياسية والاجتماعية. وهو ما سنحاول إبرازه والكشف عنه في هذه الورقة البحثية.